الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :
فمن البدع التي شاعت في هذا الزمن العصيب : (( قول : صدق الله العظيم بعد تلاوة القرآن )) و هي بدعة ما أنزل الله بها من سلطان . و ما فتئ أهل العلم يحاربون هذه الضلالة . و كي لا أطيل أخي القارئ ، إليك ما يلي - و هو على سبيل المثال لا الحصر - :
1 – سئل الإمام ( ابن عثيمين ) : ما حكم قول (( صدق الله العظيم )) عند نهاية كل قراءة من القرآن الكريم ؟
فأجاب - رحمه الله - : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . قبل الإجابة على هذا السؤال ، أود أن أبين ما ذكره أهل العلم قاطبة : بأن العبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين أحدهما : الإخلاص لله عز وجل ، والثاني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . أما الإخلاص فمعناه أن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدارة الآخرة ، فلا يقصد جاهاً ولا مالاً ولا رئاسة ولا أن يمدح بين الناس ، بل لا يقصدإلاالله والدارة الآخرة فقط ، وأما الشرط الثاني فهو الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث لا يخرج عن شريعته ، لقول الله تعالى :((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)) وقوله تعالى :((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) ولقوله تعالى :((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) وقول النبي صلى الله عليه وسلم :((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :((من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد)) ، فهذه النصوص النصية تدل على أنه لا بد لكل عمل يتقرب به الإنسان لله عز وجل : بأن يكون مبيناً على الإخلاص- الإخلاص لله موافقاً لشريعة الله عز وجل- ولا تتحقق الموافقة والمتابعة إلا بأن تكون العبادة موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وهيئتها و زمانها ومكانها ،فمن تعبد لله تعالى عبادة- معلقة بسبب لم يجعله الشرع سبباً لها - فإن عبادته لم تكن موافقة للشرع ، فلا تكون مقبولة ، وإذا لم تكن موافقة للشرع فإنها بدعة ! وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام :((كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) وبناء على هاتين القاعدتين العظيمتين - بل بناء على هذه القاعدة المتضمنة لهذين الشرطين الأساسيين- فإننا نقول : إن قول الإنسان - عند انتهاء قراءته- : (( صدق الله العظيم)) لاشك أنه ثناء على الله عز وجل بوصفه سبحانه وتعالى بالصدق ((ومن أصدق من الله قيلاً)) ، والثناء على الله بالصدق عبادة ،والعبادة لا يمكن أن يتقرب الإنسان بها إلا إذا كانت موافقة للشرع ، وهنا ننظر هل جعل الشرع انتهاء القراءة سبباً لقول العبد : (( صدق الله العظيم ؟ )) إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن الأمر ليس هكذا ! بلإن الشرع لم يجعل انتهاء القاري من قراءته سبباً لأن يقول : (( صدق الله العظيم )) فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ((إقرأ )) ، قال يا رسول : (( كيف أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! )) ، قال : (( إني أحب أن أسمعه من غيري )) ، فقرأ حتى بلغ قوله تعالى :((فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( حسبك )) ولم يقل عبد الله بن مسعود : (( صدق الله العظيم )) ، ولم يامره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . وهكذا أيضاً قرأ زيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم : (( سورة النجم ))حتى ختمها ولم يقل : (( صدق الله العظيم )) وهكذا عامة المسلمين إلى اليوم إذا انتهوا من قراءة الصلاة لم يقل أحدهم عند قراءة الصلاة قبل الركوع : (( صدق الله العظيم ))فدل ذلك على أن هذه الكلمة ليست مشروعة عند انتهاء القارئ من قراءته ! وإذا لم تكن مشروعة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقولها ! فإذا انتهيت من قراءتك فأسكت واقطع القراءة ! أما أن تقول : (( صدق الله العظيم )) - وهي لم ترد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه - : فإن هذا قول يكون غير مشروع . قد يقول قائل : أليس الله تعالى قال : (( قل صدق الله ؟ )) فنقول بلى إن الله تعالى قال : (( قل صدق الله )) ونحن نقول : (( صدق الله )) لكن هل قال الله تعالى : (( قل - عند انتهاء قراءتك - قل: صدق الله ؟ )) ، الجواب : (( لا )) . إذا كان كذلك فإننا نقول : (( صدق الله )) ويجب علينا أن نقول ذلك بألسنتنا ونعتقده بقلوبنا، وأن نعتقد أنه لا أحد أصدق من الله قيلا ، ولكن ليس لنا أن نتعبد إلى الله تعالى بشيء معلقاً بسبب لم يجعله الشارع سبباً له ، لأنه كما أشرنا من قبل لا تكون العبادة موافقة للشرع حتى يتحقق فيها - أو بعبارة أصح لا تتحقق المتابعة في العبادة حتى تكون موافقة للشرع في الأمور الستة السابقة - : أن تكون موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وصفتها و زمانها ومكانها .وبناء على ذلك فلا ينبغي إذا انتهى من قراءته أن يقول صدق الله العظيم . نعم!
[ المصدر : الموقع الرسمي للإمام العثيمين . و الفتوى – أصلاً – من برنامج : نور على الدرب ] .